شوقية عروق و"سرير يوسف هيكل"../ ابراهيم مالك
قرأتُ بشغف وإعجاب قصَّة الكاتبة والقاصة شوقِيَّة عروق منصور من الطيرة في المثلَّث والتي نشرتها في موقع عــ48ـرب الالكتروني، يومَ 12 تموز الجاري.تتناول القصة القصيرة (سرير يوسف هيكل) بأسلوب شيِّق ومحكم الحبكة القصصية والسرد أحد تفاصيل المأساة الفلسطينية، تفاصيل قد تبدو لأوَّل وهلة للقارى ْليست بذات أهمية، إذا ما قورنت بالمأساة الحقيقية، نهب الوطن وما تبعه من اقتلاع وحشي لإنسانه. لكنها، أي الكاتبة القاصة، تنجح بشكل موفَّق بالربط الذكي بين الكلِّ، المأساة بكلِّ جوانبها وتشظِّياتها، والجزء، السرير. وليس مهمَّا هنا سرير من ؟ وتشاء صدف القصِّ أن يكون سرير رئيس بلدية يافا، عروس المدن الفلسطينية المنهوبة في عام المأساة.تصوِّر القصَّة بشكل تصاعدي مأساة ذلك السرير، ما يشبه تطور الحدث التصاعدي أو الهابط نزولا في القصة القصيرة. تبدأ في سرد ما آل السرير اليه من تقطيع للبيع قطعا حديدية (خردة) لقاء ثمن بخس في سوق النخاسة المُشتبه، ثم تنتقل الى توصيف موح ٍلما كان وخب:حالة عرضِه في سوق لتجار يهود، يضمُّ معروضاتٍ منهوبةً من البيوت الفلسطينية، التي هجِّر أصحابها، عنوةً، في ذلك العام المأساوي.البائع هو تاجر يهودي يدّعي أنه لا يعرف كيف حصل على وممن اشترى ذلك السرير، وان حاول إخفاء هويته الحقيقية، إلاّ أنه لم يفلح في محو كل ما يدلُّ على هذه الهوية " كالاسم المحفور على السرير – لمياء ). والشاري، ليس محض صدفة، هو شاب عربي فلسطيني من العرب المتبقين في وطنهم والذي اضطرَّته السلطات الناهبة لوطنه باقتناء حاجياته ومستلزماته الحياتية ممَّا سبق ونهبته منه. وتطلب لقاء ذلك ثمنا فادحا منه ( مئة ليرة في ذلك الحين ). يدفع ذلك الثمن مُرغما، أو لقلّةٍ في وعيه أو للمظهرية فيه. وتختتمه في تحوُّل ِ السرير المذكورالى مجرّد شيء عادي، يبحث الجيل الحالي من بعض أبناء المأساة، تحت وطأة الضغط الاقتصادي الرهيب، عن إمكانية بيعه في سوق الخردة، بعد تقطيعه الى أشياء حديدية للبيع ببضعة قروش، وسط حسرة ( الحسرة العاجزة – دفن البندقية في الأرض أوَّلاً ثمَّ تسليمها لاحقا لمن نهبوا الوطن ) الأب العجوز والعاجز. والملاحظ أن الكاتبة القاصة توفّق في عرض الحقيقة المأساوية، التي عرفناها سابقا ولاحقا، ففي الحالتين، الأولى والثانية، كان تجار هم الباعة. ففي أول مرة كان تاجر يهودي من أسهم أو سهَّل ( لنقل شرعن وأجاز بيع السرير– الوطن المنهوب )، طمعا بربح دسم وفي المرة الثانية " تاجر عربي فلسطيني "، من تضطره الحاجة والعوز الاقتصادي الى البحث عن مخلفات حديدية خربة لبيعها. ففي الحالة الأولى يتاجر " التاجر اليهودي " بالحاجيات المنهوبة وفي الثانية يعرض " تاجر فلسطيني الأصول " ما تبقّى من السرير ( الوطن المُمَزَّق ) لبيعه في سوق الخردة لقاء ثمن بخس.إن من أسباب نجاح القصة هو الربط الذكي بين الجزء والكل، فهيَ تتحدث عن المصير المأساوي لسرير، وترتقي به لتتحدَّث من خلاله عن المصير الحقيقي للمأساة الفلسطينية. وكأنِّيبالكاتبة القاصة تعرض، إيحاءً، لمصير المأساة الفلسطينية في يومنا الراهن. ولكنها لا تفقد الأمل في غدٍ آخر سيأتي، تشير إليه تلميحا ذكيا من خلال الكرات الأربع الذهبيات، فلا تباع، تحفظها ذاكرة الأب ويبقيها له ذلك الشاب المفرّط بالسرير.شوقية عروق منصور كاتبة نصوص جميلة، مقالات منوَّعة، وقد كشفت في هذه القصة عن موهبة قصصية متفتِّحة، نأمل لها خصب العطاء وتطوير هذه الموهبة.