Friday, May 25, 2007

الكلمة الملكة و الملكة الجارية
شوقية عروق

استفتاء قامت به شركة ( بي . بي . سي ) بين مشاهدي السينما في امريكا ، اكثر العبارات التي التصقت بالذاكرة .. أو العبارات التي تمسكت في اعماق المشاهدين خلال السنوات العشر الاخيرة من خلال أفلام عرضت سواء نالت جوائز عالمية أو لم تنل استفتاء قد يدل على الفراغ ... أو كون القضايا الحياتية لا تشق أنانية الروتين اليومي وصعوبة العيش ... ومواجهة البطالة والغلاء والاحتلال والفساد السياسي السري والعلني .. ففي وسط الاصابع التي تبحث عن فرح في أكوام التشاؤم .. يصبح هذا الاستفتاء صفعة وحكاية ملل وحلزوناً يغادر قوقعته ليتنزه تحت شمس البشرية المتعبة لكن هذا الاستفتاء لم يكن الاسنان الاصطناعية التي تعلك الفراغ ، بل المنشار الذي وضع الاسنان القاسية على خشب عباراتنا ، وكلماتنا استفتاء ( بي . بي . سي ) وضع ليناردو دي كابيرو بطل فيلم ( التايتنك ) في عبارته الشهيرة ( انا ملك العالم ) في المرتبة الاولى ، وفيلم ( قلب جرئ ) لميل غيبسون والذي قال فيه ( هم يستطيعون اخذ حياتنا ، لكن مستحيل ان ينجحوا في اخذ احلامنا ) في المرتبة الثامنة ... الخ .. لن نعلق على العبارات ومدى استيعابنا لنبض وارتجاف هذه الحروف ، ولكن حين نلتقي بأستفتاء يزيح الرمل عن عباراتنا وأين تذهب ، ايحق لنا السؤال ؟!!
في مداخن الافلام العربية ، ومطر المسلسلات والبرامج ، هل تستوقفنا العبارة من خلال السيناريو والموقف والحوار !! هل ننصب علامات التوقف عند الحوار السينمائي والتلفزيوني ونشعر انه انتزع قطعة من احاسيسنا وعبر عنها تعبيراً صادقاً ، ام الافلام والمسلسلات اصبحت تركض وراء الحدث دون الانتباه للحوار الجيد والكلمة المشرقة .
لو قامت شركة عربية بهذا الاستفتاء ، هل سيتذكر المشاهدون العرب حواراً أو عبارة قيلت في مسلسل او فيلم عربي ، ( او حتى في خطاب زعيم عربي او مسؤول حكومي ) ، نحن نتذكر اللقطة .. لكن اللقطة اللفظية غائبة ، مراقبة لا تعرف الخروج ! السينما والتلفزيون لهما الجزء الأكبر في تغيير الوجدان والتأثير على مساحات الفكر العربي في ظل نسبة الأمية المرتفعة .. ان التلفزيون يخترق المسامات اليومية والساعات تنهش وهي تتشاجر مع اللقطات وعندما تلخص تكون حلبة للهذيان والكلام الميت .. الذي نشعر بمدى فراغه وهروبه من الواقع ، ان الحوار اصبح مجرد تفريغ لفظي في دائره من التقوقع الانتاجي ، الهارب من ارض البؤس العربي .
( سلملي على البذنجان ) عبارة انتشرت في اوائل الثمانينات ، قالتها الممثله نادية الجندي في احد افلامها ... وأصبحت تتردد على الشفاه ، حتى ان السادات في مقابلة معه وهو يستهزء بالمعارضة قال ( سلمولي على البذنجان ) .. وقد وقف عند هذه العبارة عشرات النقاد في مصر معتبرين ان سينما الانفتاح التى اصبحت تنحدر الى مستوى حوار " الباذنجان " يدل على الحالة الاجتماعية والسياسة التي وصل اليها الشعب .. وكرت المسبحة اللفظية .. وضاعت العبارة التي تحمل مصابيح الرقي اللفظي واغتالتنا كلمات جديدة .. سوقية ، مبتذلة ، ركيكة ، سطحية ، حتى وصلنا لضحالة العبارة والاستخفاف بالكلمات وأصبحت الاجيال تحتضن الازدحام اللفظي البارد ، ومن يراقب الاسطر ، او ( المسج ) الذي يظهر في أسفل الشاشة التي تبث البرامج و الاغاني يكتشف ان هذه الاجيال تفتقد العبارة الجميلة ، الرشيقة ، وايضاً الاخطاء الاملائية القاتلة التي تؤكد غياب اللغه العربيه من مناهجنا التدريسيه بصوره ترافق كبرياء الشعوب
عندما اطلق شكوكو اغنية ( السح دح امبو الولد طالع لأبوه ) اخذوا يبكون وهم يشيعون اللغة العربية ، ولطم النقاد والمجمع اللغوي في القاهرة ، ولكن اخذوا يأملون انها ظاهره لفظية ستزول
ولم يعرفوا اننا سنصل الى كلمات وعبارات لا تحمل الا صيغة الذل والفقدان والمهانه .. علماء اللغه يقولون ، اللغه ترتقي في الانتصارات ، يصبح لها اهمية وتصميم وكبرياء وفي الانكسار تهبط الى القاع ، تتحول الى جارية يشتريها من يشاء والعبارات العربية الرشيقة ، القوية الانسانية ، المالكة زمام الضوء اين تخبأ . قد يحملها الشعراء والكتاب والمفكرين .. ولكن اذا نظرنا الى الفن السابع ، السينما والتلفزيون وسوق الاستفزاز السياسي ، ( من قائد الامة ، الى الزعيم ، الى الرئيس ، الى الوزير ، الى السفير ) فهم يسجلون عبارات الهزائم في مرمى اللفظ ، ونحن امام المرايا والوجوه ، كيف سنخترق الغابة والحصار ؟! كيف سنقدم للمشاهد العربي افلاماً ومسلسلات ذات حوار يترسخ في الاعماق ويغير من التفكير والانحناء .. لكن هل ثورة اللفظ ترافق فقط ثورة الانسان على النظام والحكم والفساد ؟

No comments: